-----زعنفة الأبيض العظيم-----
سقط من السفينة و لم يعلم به أحد جعل يتخبّط و يصيح فلم يبلغ صوته إلى أحد. كان ينظر إلى مؤخّرة السّفينة وهي تتباعد يبتلعها قرص الشمس البازغ في الأفق.
تخامدت حركاته ليقتصد طاقته إذ لا فائدة. استلقى على ظهره و بقي يحرّك أطرافه بين الحين و الاخر لكي لا تنزل حرارة جسمه .
لم يدر كم مضى من الوقت فحرارة الشمس تلفح وجهه إذ بلغ إلى مسمعه فحيح خافت متقطّع يدور حوله . انقلب على بطنه و بحث في جميع الاتجاهات حتى ظهرت له زعنفة كبيرة تشقّ الماء . انّه القرش الأبيض العظيم سيّد البحار العالية طوله يضاهي اربعة قامات و فكّه يمكنه التهامه في قضمة واحدة . كانت السمكة تدور و عينها مركزة على السباح. كانت عينا كأنها من اللّدائن جامدة، باردة ،ترسل عند انعكاس ضوء الشمس عليها نذيرا. ارتجّ قلبه و لكنه تمالك نفسه فماذا يجدي الهلع و الخوف استسلم لمصيره. ظل يراقبها مدّة ثم انشغل عنها بحاله.
من يخرجه من هذا الضياع ؟ من يصدّ عنه هذا الفكّ المفترس؟ من ينقذه من الغرق؟
شعر باليأس وتمنى لو تنتهي هذه المأساة حالا فيستريح من الشقاء . و في لحظة كرّ على الابيض العظيم بكل ما اوتي من قوّة "فاذا كان من الموت بد فمن العار ان تموت جبانا" لكنّ السمكة تجاهلته و كبّرت الحلقة ليبقى دائما في مركز دائرة الخطر.
استلقى على ظهره و اغمض عينيه شعر بأشعة الشمس تلفح وجهه و في سكونه، في ظلمة نفسه، سمع صوتا كانّه لحن البقاء يتسامى من قاع المحيط إلى أذنيه و يتماهى مع صوت احتكاك جسد السمكة مع الماء. لقد شعر انه ليس وحده في هذا الخلاء و تحولت حركة الأبيض العظيم حوله إلى سديم درب التبانة تسيح فيه ملايين النجوم تقطع بضيائها هذا الليل اللانهائي. حتى لسعات البرد في بدنه استعذبها حتى الألم صار دليلا على انه مازال حيّا.
تذكر أيامه الحلوة مع كل دورة للعين التي تعكس ضئيل النور الواصل من سحيق الفضاء و تدفع عنه وحوش البحر فمن يجرؤ على الاقتراب من فريسة الأبيض العظيم.
رغم انه وحده إلا أنه رأى في هذا الظلام الدامس سدما تتحرك حوله و تدور في تناسق كأنها ترقص على أنغام سمفونية بديعة.
شعر بلذة لم يكتشفها من قبل و هو يسمع هدير سفينة صيد مرّت بجانبه و رجّته موجتها فلم يناد و لم يستغث و ظل يتأرجح مع ذبذباتها حتى صدمته موجة قلبته و حملته دوّامتها إلى الأعماق و دخل في غيبوبة.
لمّا آفاق وجد نفسه في سرير على السفينة في غرفة حديدية ضيقة، حوله علب و أدوات طبية . انفتح الباب فدخلت الممرضة القت عليه تحية الصباح و حمدت الله على سلامته. لم يكن يسمع كلام الممرضة فكانها اصوات تاتي من الاعماق تتجلى شيئا فشيئا و لم يتبين منها سوى اسم "الله". فرجع إليه رشده فحمد الله على السلامة و شكره على العناية ثمّ أصغى إلى الممرضة و هي تحكي له عملية إنقاذه.
لم يكن الصيادون يصدّقون أعينهم و هم يشاهدون جسما آدميا لا يكاد يظهر بين أكوام السمك و هو متشبّث بزعنفة قرش ابيض عظيم. سارعوا إلى نجدته و قد مضى على الحادثة يومان و هم الآن في طريق العودة اذ لم يبق سوى يوم عن الميناء. لقد ابلغوا السلطات عن الحادث و سوف يجد سيارة إسعاف في انتظاره.
قدّمت الممرضة له حساء تتعالى منه ابخرة تشدّ النفس. لزج ليس له لون و لا رائحة " كل و لو قليلا من هذا الحساء المنعش انه من الذ الاطباق في بلادنا .محظوظ منّا من يتناوله و لو مرّة في عمره. لقد امر به الربان اكراما لك و احتفالا بنجاتك."
تذوّقه فوجده مرّا فتوقّف .الحّت عليه. خاف أن تغضب و تغادر فاخذ ملعقة اخرى فوجد مرارتها قد نقصت. حاول التمنّع لكنّ الممرضة دكّت ملعقة اخرى مع بسمة وجدها الذّ.
سأل:
- ممّ تصنعونه؟
- من زعنفة القرش الأبيض العظيم!
تملّكته قشعريرة ثمّ جعل يزدرد الحساء ، بل طلب صحفة أخرى.
---( جمال الطرودي/ تونس)
سقط من السفينة و لم يعلم به أحد جعل يتخبّط و يصيح فلم يبلغ صوته إلى أحد. كان ينظر إلى مؤخّرة السّفينة وهي تتباعد يبتلعها قرص الشمس البازغ في الأفق.
تخامدت حركاته ليقتصد طاقته إذ لا فائدة. استلقى على ظهره و بقي يحرّك أطرافه بين الحين و الاخر لكي لا تنزل حرارة جسمه .
لم يدر كم مضى من الوقت فحرارة الشمس تلفح وجهه إذ بلغ إلى مسمعه فحيح خافت متقطّع يدور حوله . انقلب على بطنه و بحث في جميع الاتجاهات حتى ظهرت له زعنفة كبيرة تشقّ الماء . انّه القرش الأبيض العظيم سيّد البحار العالية طوله يضاهي اربعة قامات و فكّه يمكنه التهامه في قضمة واحدة . كانت السمكة تدور و عينها مركزة على السباح. كانت عينا كأنها من اللّدائن جامدة، باردة ،ترسل عند انعكاس ضوء الشمس عليها نذيرا. ارتجّ قلبه و لكنه تمالك نفسه فماذا يجدي الهلع و الخوف استسلم لمصيره. ظل يراقبها مدّة ثم انشغل عنها بحاله.
من يخرجه من هذا الضياع ؟ من يصدّ عنه هذا الفكّ المفترس؟ من ينقذه من الغرق؟
شعر باليأس وتمنى لو تنتهي هذه المأساة حالا فيستريح من الشقاء . و في لحظة كرّ على الابيض العظيم بكل ما اوتي من قوّة "فاذا كان من الموت بد فمن العار ان تموت جبانا" لكنّ السمكة تجاهلته و كبّرت الحلقة ليبقى دائما في مركز دائرة الخطر.
استلقى على ظهره و اغمض عينيه شعر بأشعة الشمس تلفح وجهه و في سكونه، في ظلمة نفسه، سمع صوتا كانّه لحن البقاء يتسامى من قاع المحيط إلى أذنيه و يتماهى مع صوت احتكاك جسد السمكة مع الماء. لقد شعر انه ليس وحده في هذا الخلاء و تحولت حركة الأبيض العظيم حوله إلى سديم درب التبانة تسيح فيه ملايين النجوم تقطع بضيائها هذا الليل اللانهائي. حتى لسعات البرد في بدنه استعذبها حتى الألم صار دليلا على انه مازال حيّا.
تذكر أيامه الحلوة مع كل دورة للعين التي تعكس ضئيل النور الواصل من سحيق الفضاء و تدفع عنه وحوش البحر فمن يجرؤ على الاقتراب من فريسة الأبيض العظيم.
رغم انه وحده إلا أنه رأى في هذا الظلام الدامس سدما تتحرك حوله و تدور في تناسق كأنها ترقص على أنغام سمفونية بديعة.
شعر بلذة لم يكتشفها من قبل و هو يسمع هدير سفينة صيد مرّت بجانبه و رجّته موجتها فلم يناد و لم يستغث و ظل يتأرجح مع ذبذباتها حتى صدمته موجة قلبته و حملته دوّامتها إلى الأعماق و دخل في غيبوبة.
لمّا آفاق وجد نفسه في سرير على السفينة في غرفة حديدية ضيقة، حوله علب و أدوات طبية . انفتح الباب فدخلت الممرضة القت عليه تحية الصباح و حمدت الله على سلامته. لم يكن يسمع كلام الممرضة فكانها اصوات تاتي من الاعماق تتجلى شيئا فشيئا و لم يتبين منها سوى اسم "الله". فرجع إليه رشده فحمد الله على السلامة و شكره على العناية ثمّ أصغى إلى الممرضة و هي تحكي له عملية إنقاذه.
لم يكن الصيادون يصدّقون أعينهم و هم يشاهدون جسما آدميا لا يكاد يظهر بين أكوام السمك و هو متشبّث بزعنفة قرش ابيض عظيم. سارعوا إلى نجدته و قد مضى على الحادثة يومان و هم الآن في طريق العودة اذ لم يبق سوى يوم عن الميناء. لقد ابلغوا السلطات عن الحادث و سوف يجد سيارة إسعاف في انتظاره.
قدّمت الممرضة له حساء تتعالى منه ابخرة تشدّ النفس. لزج ليس له لون و لا رائحة " كل و لو قليلا من هذا الحساء المنعش انه من الذ الاطباق في بلادنا .محظوظ منّا من يتناوله و لو مرّة في عمره. لقد امر به الربان اكراما لك و احتفالا بنجاتك."
تذوّقه فوجده مرّا فتوقّف .الحّت عليه. خاف أن تغضب و تغادر فاخذ ملعقة اخرى فوجد مرارتها قد نقصت. حاول التمنّع لكنّ الممرضة دكّت ملعقة اخرى مع بسمة وجدها الذّ.
سأل:
- ممّ تصنعونه؟
- من زعنفة القرش الأبيض العظيم!
تملّكته قشعريرة ثمّ جعل يزدرد الحساء ، بل طلب صحفة أخرى.
---( جمال الطرودي/ تونس)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق